هو أبو القاسم الشابي الشاعر التونسي ، شاعر الخضراء الأول ، شاعر الحياة ، ولد في الأول من شهر ربيع الأول 24 فيفري 1909 بالشابية، توزر، في أسرة اشتهرت بالعلم. نشأ في بلدته مبتدئاً بحلقات الدراسة ومجالس التعليم بجامعة الزيتونة، بدأ الشاعر (أبو القاسم الشابّي) رحلة الأدب ، فقرأ (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني، و (صبح الأعشى) للقلقشندي، و (كتاب الصناعتين) لأبي هلال العسكري، و (العمدة) لابن الرشيق القيرواني، و (الأماليّ) لأبيّ عليّ القالي، و (المثل السائر) لابن الأثير، و (الكامل) للمبرّد، و (نفح الطيب) للمقريّ. وكان ولوعاً بالقواميس، وبخاصة (لسان العرب) لابن منظور، و (القاموس المحيط) للفيروز آبادي. كما اطلع على شعراء العربية قديمهم وحديثهم، وكان يتقرب من شعر (المعري) و (ابن الفارض) وأُعجب من شعراء المهجر بشعر (جبران خليل جبران). كما كان (الشابّي) متأثراً أو ميالاً إلى الحركة الرومانسية في الأدب العالمي , ومنذ دخول الشاعر (الشابّي) جامعة الزيتونة، برزت نزعته الإصلاحية. فقد برز في حركة الطلبة المطالبة بالإصلاح الإداري والتعليمي .
لقد ترك (الشابّي)، العديد من الأعمال الشعرية والدراسات التي تناولت نظرية نقد الشعر ،ولم ينشر ديوانه، إلاّ بعد وفاته بأربعة وعشرين عاما ، والذي اختار له عنوان (أغاني الحياة) .و لم يقف انتشار شعر ه عند حدود الوطن العربي في مشرقه ومغربه بل تجاوزه إلى أفق العالمية .
و في غرّة فيفري 1929 القى محاضرة مشهورة في قاعة الخلدونيّة بتونس عن "الخيال الشّعري عند العرب" (...) وقد عمل فيها على استعراض كلّ ما أنتجه العرب من الشّعر، في مختلف الأزمنة وفي كلّ البلدان، من القرن الخامس إلى القرن العشرين ومن الجزيرة إلى الأندلس واتّضح، من خلال سعيه إلى تحديد تصوّره الشّعر وإلى بلورة رؤية شعريّة، أنّه ناقد على ثقة بنفسه وإن لقي صعوبة في إقناع سامعيه الذين صدمهم أكثر ممّا استمالهم.
وفي عام /1929/ وبعد سنة من وفاة والده. أُصيب الشابّي بداء تضخم القلب، الذي قاده سريعاً إلى حتفه ،ووصل إلى تونس العاصمة يوم 26 أوت 1934 ودخل يوم 3 أكتوبر 1934 المستشفى الإيطالي بتونس [مستشفى الحبيب ثامر]، وفيه توفي بعد بضعة أيّام، يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 1934 ساعة الفجر .و بعد ثمان سنوات نقل رفاته إلى توزرحيث دفن في "ضريح الشابّي " وذلك في عام ستة وأربعين وتسعمائة وألف .
قصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة
إذا الشعب يوما أراد الحياة
....................فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
...................ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة
.................تبخر في جوها واندثر
كذلك قالت لي الكائنات
................وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج
...............وفوق الجبال وتحت الشجر:
إذا ما طمحت إلى غاية
................ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال
.................يعش ابد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب
..................وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغى لقصف الرعود
...................وعزف الرياح ووقع المطر
وقالت لي الأرض لما سالت:
...................يا أم هل تكرهين البشر ؟:
أبارك في الناس أهل الطموح
..................ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان
..................ويقنع بالعيش ، عيش الحجر
هو الكون حي يحب الحياة
..................ويحتقر الميت مهما كبر
وقال لي الغاب في رقة
..................محببة مثل خفق الوتر
يجيء الشتاء شتاء الضباب
..................شتاء الثلوج شتاء المطر
فينطفئ السحر سحر الغصون
..................وسحر الزهور وسحر الثمر
وسحر السماء الشجي الوديع
..................وسحر المروج الشهي العطر
وتهوي الغصون وأوراقها
...................وأزهار عهد حبيب نضر
ويفنى الجميع كحلم بديع
.................تألق في مهجة واندثر
وتبقى الغصون التي حملت
.................ذخيرة عمر جميل عبر
معانقة وهي تحت الضباب
..................وتحت الثلوج وتحت المدر
لطيف الحياة الذي لا يمل
.................وقلب الربيع الشذي النضر
وحالمة بأغاني الطيور
.................وعطر الزهور وطعم المطر
تحياتي